كلما عاد التعبير عدنا إلى التذكير : الإسلام والغرب... تعبير يجب أن يتوقف

تاريخ النشر : 28-01-2023

التصنيفات : أوروبا - دول الأتحاد

الكثيرون من المهتمين بموضوع علاقات الشرق والغرب، حتى من الكتاب الإسلاميين، يستعملون مصطلح «الإسلام والغرب» دون تفكر في مغزاه، مع أن استعماله مضرٌ بالإسلام ويؤدّي إلى تحجيمه وتحويله عن عالمية رسالته. لا يحتاج الأمر إلى الكثير من التفكير لكي يصل المرء إلى هذه النتيجة، لكن يمكن سرد المعطيات التالية للتأكيد على ما نقول: أولا: لا سبيل إلى المقارنة أو المقابلة بين دين سماوي منتشر في كل بقاع الأرض، ومنطقة ذات إطار جغرافي وتاريخي وسياسي معين، فهذا الأمر يحد جدا من سعة الدين الإسلامي ويجعله ندًا لتلك المنطقة أو منحصرًا في مقابلتها، وهذا الأمر لم يقل به أحد، ولا مصلحة فيه على الإطلاق.

ثانيا: الأديان السماوية كلها كانت لها نفس الانطلاقة التاريخية، لقد انطلقت المسيحية من الشرق ووصلت إلى الغرب، وتبعها بعدها الإسلام، كما تبعتها قبلها اليهودية، أي أن الشرق جغرافياً هو منطلق الديانات السماوية، فيما الغرب هو المتلقي لها، فما معنى مقابلة الإسلام من بين غيره من الأديان بالغرب؟

ثالثا: هذا الشعار يطرح تساؤلا وهو: هل الشرق هو الإسلام, والغرب هو المسيحية مثلا؟ الجواب بنعم ليس صحيحا على الإطلاق، فالإسلام تاريخيا هو آخر الأديان السماوية نزولا، وإن كان المهيمن عليها، لكنه حافظ على وجود تلك الأديان وعلى حياة أصحابها، ومن جهة أخرى فالغرب اليوم ليس مسيحيا صرفا بل داخله الإلحاد والمذاهب الوجودية ومئات المذاهب والمعتقدات المخترعة على أيدي أفراد وجماعات، وهؤلاء يزيدون بكثير على نسبة المتدينين، ولا يمكن للمرء اليوم أن يتجاهل أن الغرب لم يتمكن من النهوض إلا بعد طرح الأغلال الكنسية عن كاهله، كما أن هذا المصطلح يلغي كذلك وجود مسلمين من الغربيين أنفسهم وهؤلاء اختاروا الإسلام طوعا وبأعداد متزايدة بشكل يومي.

وإذا نظرنا إلى سرعة انتشار الإسلام في الغرب، يمكننا بكل ثقة أن نعده الخيار الأول للغربيين الباحثين عن الحقيقة رغم جميع حملات التهويل والكراهية التي تشن ضده، والتي لا تزيده إلا بريقا وبهاءً.

لقد كان أصحاب الديانات السماوية الأخرى أوعى منا لهذه المسألة، فلا نرى يوما من الأيام شعارا مثل " المسيحية والشرق" أو "اليهودية والغرب" وهذا الأمر جدير بالتأمل واستخلاص العبر.

هناك ديانات اتخذت طابع القومية مثل الديانة اليهودية، ومبادئ انحسرت في بقع جغرافية مثل أديان الهندوسية والبوذية التي انحصرت في آسيا، ومع هذا فلم نسمع يوما شعارات مثل: اليهودية والأوروبيون، أو "الهندوسية والغرب" مع أن الهندوسية شرقية قلبا وقالباً؟

إن هذا الشعار تكريس لحالة التضاد والمقابلة بين الإسلام والغرب، وهذا قد يكون لمصلحة تيارات غربية أو شرقية معادية للإسلام، لكنه بالتأكيد ليس في مصلحة الإسلام والمسلمين.

ليس من مصلحة الإسلام والمسلمين بأي حال تصوير أن الشرق إسلامي فقط، فالشرق لا يزال يحافظ على الوجود المسيحي الذي سبق الإسلام، وعلى الوجود اليهودي الذي لم يشأ الالتحاق بإسرائيل، وعلى أديان الصابئة وغيرها، وهذا يبقى دليلا على سماحة الإسلام وتقبله للتعدد الديني وحمايته لعقائد الآخرين، وهو شرف له ولأتباعه.

ولماذا تستعمل هذه الشعارات، التي لا تنمّ عن العالمية، بل عن المناطقية والانحسار في الشرق، إلا مع الإسلام ؟

كذلك فإن المصطلح يكرس مناطقية الإسلام، وهو المراد الذي طالما سعى كتاب غربيون إلى تكريسه، حيث نجد لديهم مئات الكتب والمقالات التي تركز على أن الإسلام هو أحد ديانات الشرق المحلية وأنه سوف يظل هكذا، نازعين عنه صفة العالمية ومخاطبة جميع البشر، وهو ليس بعيداً عن المهاترات التي تتردد من حين لآخر من غربيين، بضرورة تقبل المسلمين لوجود نقائص في دينهم وعقيدتهم عليهم مراجعتها وإصلاحها.

إن شعار "الإسلام والغرب" يدغدغ لدى الكثير من الغربيين شعورا من الاستعلاء والغرور بحيث يضعون أنفسهم أندادا وخصوما لا للمسلمين، أتباع الإسلام،  بل للإسلام نفسه، أي يؤكدون نديتهم لرأس الأمر وللدين نفسه لا لأتباعه ومناصريه، مما يعني الحط من مكانة هذا الدين السماوي ومساواته بمبادئ بشرية وأيديولوجيات مختلفة، وخصومته مع أفراد وشعوب وتجمعات سكانية، وهذه من الشطحات التي يجب ألا ننزلق إليها.

وهذا الشعور الغربي بالاستعلاء دفع اليوم إلى شعارات أشد استفزازا وفداحة منه، حيث تطاولت شعارات محلية لتناطح الإسلام كذلك، فصرنا نسمع شعارات مثل: اليونان والإسلام، وباريس والإسلام، ونحو ذلك، ولا يستبعد ظهور مصطلحات هي امتداد لها مثل: الحي الفلاني والشارع الفلاني والإسلام.

إن أي شعار يضع الإسلام مقابل بقعة جغرافية أو هيئة سياسية أو فئة سكانية، أو يفاضل ويقارن بينه وبينها، يقلل من قيمة هذا الدين السماوي ويحرف رسالته عن عالميتها وسموّها لتجعله نداً لما هو أقل قيمة منه بل تصرف رسالته عن مرادها.

وقياساً عليه، فإنه حتى شعار "المسلمون وأوروبا"، وإن لم يكن فيه فداحة شعار الإسلام والغرب، فيه تضليل وتجاهل وجود ملايين المسلمين الأوروبيين إما ولادة وإما عن طريق اكتساب الجنسية، وهؤلاء أوروبيون مسلمون، ولا ضير في هذه الثنائية على الإطلاق.

ويستطيع المسلمون بدلاً من هذه الشعارات استعمال مصطلحات مثل الشرق والغرب، مسلمو الغرب ومسيحيوه، الإسلام والمسيحية، أي مقابلة الإسلام بدين آخر، ومنطقة جغرافية بمنطقة جغرافية أخرى، ومجموعة سكانية بمجموعة سكانية أخرى، بحيث لا ننزلق إلى مقارنات غير سوية وغير صحيحة.











شاهد أيضاً