بطبيعتها الساحرة، من الصعب تخيل أن الجمال المذهل للجزيرة اليونانية سانتوريني، ما هو إلا نتيجة للتاريخ البركاني العنيف في المنطقة.

وشهدت الجزيرة أكبر الانفجارات البركانية المعروفة منذ حوالي 3600 عام، وكان الانفجار قوياً لدرجة أنه دمرّ مدينة أكروتيري القديمة في سانتوريني، ووجه ضربة قاتلة لحضارة مينوان البحرية، التي استقرت بالجزيرة في ذلك الوقت.


واليوم، تُعد سانتوريني بمثابة الوجهة الرومانسية الأولى في اليونان، مع الفيلات والمنتجعات الفاخرة التي توفر ملاذًا للتدليل والرفاهية، وموقعا حالمًا لإقامة حفلات الزفاف الفاخرة والتقاط الصور على حدٍ سواء.


وتشكّل المنحدرات البركانية بالجزيرة، على ارتفاع 1000 قدم فوق مستوى سطح البحر، لوحًة جيولوجية خلاية، مزينة بالمنازل المطلية باللون الأبيض والمتوازنة على الحافة.


ومع حلول كل مساء، يتوقف سكان الجزيرة لمتابعة غروب الشمس الشهير في سانتوريني.


وتتمتع قرية أويا، ذات القبب المطلية باللونين الأزرق والأبيض بسحر جذاب مع اقتراب الساعة الذهبية.


وعندما تبدأ الشمس في الغروب خلف منحدرات كالديرا، تتحول السماء إلى شاشة عرض حي بألوان الأحمر، والبرتقالي، والوردي.


ويقف الآلاف في دهشة أمام مشهد اختفاء آخر شعاع في البحر.


وتُعد سانتوريني جزءا من القوس البركاني الهيليني، أي أحد أهم الحقول البركانية في أوروبا والتي شهدت أكثر من 100 انفجار على مدى 400 ألف عام الماضية.


وعلى بعد خمسة أميال شمال شرق سانتوريني، يقع البركان الأكثر نشاطًا تحت الماء في شرق البحر الأبيض المتوسط، والذي يُحتمل أن يكون خطيرًا.


وبقي بركان كولومبو، الغارق في بحر إيجه، هادئا منذ نحو 400 عام - لكنّه ليس خامدا.


وكانت آخر مرة ثار فيها البركان في عام 1650، متسببًا في وفاة 70 شخصًا وإحداث تسونامي بارتفاع 40 قدمًا. وقد تم تسجيل زلازل قوية وارتدادات، إلى جانب الغازات السامة وأعمدة الدخان.


ويعلم العلماء علم اليقين أن ثوران بركان كولومبو يمكن أن يتسبب في دمار كبير.



وقامت بعض أكبر البعثات الأوقيانوغرافية (علم البحار والمحيطات) في العالم بزيارته، وازدادت عمليات المراقبة خلال العشرين عامًا الماضية.


وسافرت سفينة الحفر العميقة "JOIDES Resolution"، وهي إحدى أكبر سفن الأبحاث الأمريكية، إلى سانتوريني في أول مهمة لها في البحر الأبيض المتوسط بين شهري ديسمبر/ كانون الأول 2022 وفبراير/ شباط 2023.


ويقول تيم درويت، عالم البراكين والرئيس المشارك للبعثة إن السفينة الهائلة جلبت "مختبرًا عائمًا بالكامل إلى المنطقة".


وتمكّن الباحثون من الحفر على عمق أكثر من 8000 متر تحت سطح البحر، وقاموا بجمع الرواسب التي لم يتم الوصول إليها من قبل لمحاولة إعادة بناء تاريخ البراكين في المنطقة.



ومن المتوقع صدور تقارير أولية في وقت لاحق من هذا العام، وستساهم النتائج في التنبؤ بالانفجارات البركانية المستقبلية، ليس ذلك فحسب، بل في الكشف عن سلوك البراكين النشطة الأخرى في جميع أنحاء العالم التي تشكل تهديدًا للملايين الذين يعيشون في جوارها.


وشاركت إيفي نوميكو، وهي عالمة المحيطات الجيولوجية بجامعة أثينا، في كل رحلة استكشافية إلى موطنها سانتوريني على مدار العشرين عامًا الماضية.


وقالت نوميكو: "نحن نعمل تدريجياً على وضع (خريطة جيولوجية) تُظهر الأجزاء التي كانت في الأصل أرضًا، وأي أجزاء كانت عبارة عن ماء".


وتابعت: "إذا تمكنا من فهم الانفجارات الماضية وتأثيرها بشكل أفضل، فسيكون لدينا خارطة طريق للتعامل بشكل أفضل مع التحديات المستقبلية."


أما بعثة "JOIDES Resolution" فليست أول دراسة رئيسية للمنطقة، إذ تشير نوميكو إلى أن الظروف القاسية المدروسة منذ فترة طويلة في كولومبو دفعت وكالة "ناسا" إلى تمويل رحلة استكشافية رائدة في عام 2019.


وتقول: "يوجد في الجزء السفلي من فوهة البركان محيط أرضي خارج الأرض بأشكال الحياة التي يمكن العثور عليها على الكواكب الأخرى".



وكانت البيئة المعادية، بفتحاتها الحرارية المائية النشطة التي تنفث المياه الساخنة والمعادن، بمثابة أرض اختبار مثالية لأحدث التقنيات الجديدة باستخدام المركبات ذاتية القيادة تحت الماء.


واختبرت وكالة "ناسا" الغواصات التي تأمل أن تستكشف يومًا ما محيطات غريبة على أقمار المشتري وزحل.



وكشفت دراسة حديثة أخرى أيضًا عن غرفة صهارة لم تُكتشف سابقًا أسفل بركان كولومبو. ويعتقد العلماء أن الغرفة قد تكون أيضًا مفتاحًا لفهم النشاط الزلزالي في هذه المنطقة.


وفجرت هذه البراكين الإبداع في خيال منتجي هوليوود، الذين اختاروا سانتوريني كموقع افتتاح فيلم هوليوود الرائد لعام 2003 "Lara Croft: Tomb Raider – The Cradle of Life"، وباستخدام منحدرات سانتوريني الدراماتيكية كخلفية، تجد أنجلينا جولي، التي تلعب شخصية لارا كروفت، نفسها في مواقف خطرة في مياه غامضة أثناء البحث عن كنز تحت الماء.


وأمضت جولي وزوجها السابق براد بيت وقت الإجازة في سانتوريني بعد التصوير، ولم يكونا الوحيدين. وتعد عائلة كارداشيان، وليدي غاغا، وشاكيرا من بين المشاهير الذين قاموا بالسباحة في مياه سانتوريني الصافية.


وفي كل صيف، تنطلق اليخوت الضخمة ذهابًا وإيابًا بين سانتوريني وجزيرة ميكونوس التي تُعد موقع جذب للمشاهير الآخرين في اليونان.


ويكشف ركابها من كبار الشخصيات عن محيطهم الحصري في مواقع ساحرة.


وربما تكون قصة براد وانجيلينا الرومانسية قد انتهت، لكن روح المغامرة لشخصية لارا كروفت بالفيلم لا تزال حية في رحلات القوارب السياحية، وهي تشمل زيارة جزيرة نيا كاميني، وهي من بين من خمس جزر تشكل مجمع سانتوريني البركاني، وتُعد منتزها جيولوجيا وطنيا في حد ذاتها.


ويقول ماريوس فيتروس، وهو الرئيس التنفيذي لوكالة السفر "سانتوريني فيو" إن "آخر ثوران لبركان نيا كاميني كان في الخمسينيات من القرن الماضي"، مشيرًا إلى أن الزوار يحبون الإثارة خلال التنزه حتى فوهة البركان.


ويضيف أنها "واحدة من أكثر رحلاتنا شهرة".


وتستمر جولات القوارب بالسباحة في الينابيع الساخنة البركانية في جزيرة باليا كاميني القريبة، تليها مشاهدة غروب الشمس على سطح السفينة المواجه لمنحدرات سانتوريني.


وتتمثل جولة شهيرة أخرى في موقع أكروتيري الأثري الرائع، كتذكير رصين بالقوة البركانية. ودمرت المدينة المزدهرة التي تعود إلى العصر البرونزي بفعل الثوران البركاني قبل 3600 عام، والذي نتج عنه عمود من الرماد والصخور يبلغ ارتفاعه حوالي 20 ميلاً.


وبعد حوالي 1700 عام، كانت كارثة مماثلة ستدمر بومبي.


ومع إزالة الرماد والحمم البركانية، تقف اللوحات الجدارية ذات الألوان الزاهية لأكروتيري محفوظة بشكل جميل اليوم.


ويمكن أن تُدفن سانتوريني يومًا ما تحت طبقة من الرماد مرة أخرى. ولكن في الوقت الحالي - حيث يستمتع الزوار بغروب الشمس المذهل، يبقى البركان هادئًا.





شاهد أيضاً