شهدت الأيام القليلة الماضية تدفّق آلاف اللاجئين السوريين القادمين من تركيا إلى أوروبا بشكل عام وألمانيا بشكل خاص، حيث تعتبر هذه الموجة الأكبر منذ عام 2015 بعد أن اتخذت الدول الأوروبية إجراءات صارمة على حدودها الشرقية ودعمت اليونان في إيقاف تدفق اللاجئين. وقالت السيدة "آنية" أحد القائمين على مركز لاستقبال اللاجئين في مدينة “زيغ مارينغن” الألمانية لأورينت نت، إن هناك ارتفاعاً ملحوظاً في أعداد اللاجئين السوريين القادمين للبلاد.

وأضافت أنه "لم يتم إحصاؤهم بسبب انشغال دائرة الأجانب باللاجئين الأوكرانيين، ولكن هناك مئات الوافدين الجدد من اللاجئين السوريين قصدوا هذا المركز فقط".



بدورها، صحيفة "تاغس شبيغل" الألمانية ذكرت في تقرير لها مؤخراً، أنه تم توثيق دخول أكثر من 3200 لاجئ إلى اليونان معظمهم سوريون منذ بداية العام حتى بداية شهر آب الجاري، "حيث تعتبر اليونان محطة رئيسية للمهاجرين من أجل بلوغ هدفهم بالوصول إلى بقية دول الاتحاد الأوروبي".


ومن المعروف أن أعداداً كبيرة من المهاجرين يدخلون اليونان عن طريق التهريب يومياً ولا يتم توثيقهم ليتوجّهوا بعدها إلى بقية دول أوروبا ولا سيما ألمانيا، على الرغم من محاولة منعهم من قبل السلطات اليونانية التي غالباً ما تُعيدهم إلى تركيا. 


طريق المهاجرين

ويسلك معظم اللاجئين السوريين طريق تركيا بلغاريا صربيا، أو طريق تركيا اليونان صربيا.


وذكر “أحمد سالم” الذي وصل بداية هذا الأسبوع إلى مدينة شتوتغارت الألمانية لأورينت نت أنه سلك مع مجموعة مؤلفة من 30 شاباً طريق بلغاريا صربيا حيث استغرق الطريق 3 أيام مع أحد المهرّبين، وبعدها توجّه إلى المجر مروراً بسلوفاكيا ثم النمسا وصولاً إلى ألمانيا.



وأشار أحمد ابن محافظة دير الزور، إلى أن الطريق ليس دائماً ميسّراً، موضحاً أن ابن عمّه تعرض لإصابات خطيرة في رحلة مع مجموعة أخرى بعد أن أطلقت الشرطة الكلاب عليه، ناهيك عن المسافات الطويلة من السير في الغابات وبرودة الطقس بعد غروب الشمس، والنوم على الأرض في الغابات لعدة أيام.


ولفت أحمد إلى أنه دفع للمهرّب 7000 آلاف دولار من أجل إيصاله إلى أوروبا عن طريق تركيا اليونان صربيا، مؤكداً أن الغلاء في تركيا والخوف من نتائج الانتخابات القادمة دفعه للهجرة.




من جانبه، قال سامر مهران (أحد الواصلين لألمانيا قادماً من تركيا) إن طريق اليونان صربيا أفضل من طريق بلغاريا، كونه لا يوجد فيه "بصمة دبلن"، وكذلك لا يتم إطلاق الكلاب على المهاجرين، ولكنه طويل وشاقّ ويُعدّ أصعب ما فيه الوصول إلى مدينة سالونيك اليونانية.


وتابع: "يقسم الطريق بحسب حالة اللاجئ المادية فهناك الطريق الطويل ويتطلب مبلغاً مالياً أقلّ من الطريق القصير".


أسباب هجرة السوريين من تركيا

يعتقد الدكتور “عبد الناصر الجاسم” أستاذ الاقتصاد في جامعة ماردين بتركيا أن أهم أسباب هجرة السوريين من تركيا إلى أوروبا هي: أن السوريين يعيشون في تركيا حالة من الخوف وعدم الاستقرار بعد أن تعالت الأصوات عن إعادة السوريين الموجودين في تركيا إلى سوريا.


وأضاف الجاسم لأورينت نت، أن السوريين لا يحملون صفة اللاجئ في تركيا وإنما “حماية مؤقتة”، وشعور الخوف جاء بعد التصريحات التي صدرت عن الحكومة التركية والمسؤولين فيها، حيث إن هذه التصريحات أثارت قلق السوريين لأنها لم تعُد شائعات.


وأضاف الدكتور الجاسم سبباً مهماً آخر، وهو اقتراب موعد الانتخابات التركية وفقر الأحزاب المعارضة لبرامج واضحة فوجدوا فرصة لتعويض ضعف برنامجهم السياسي في ملف اللاجئين السوريين في تركيا، وأصبحت أحزاب المعارضة تخاطب الشارع التركي من هذا المنطلق، ما دفع الشارع التركي لإظهار سلوكيات وتصرّفات وأفعال فيها إزعاج ومضايقات وتقييد للسوريين، وصل بعض هذه التصرفات إلى التنمّر والعنصرية.


وأكد أن هذه التصرفات أدّت لدفع اللاجئ السوري في تركيا للبحث عن مَنفَذ للخلاص، مشيراً إلى أن هناك عاملاً مهماً يدفع السوريين للهجرة من تركيا وهو عدم الثقة بمؤسسات المعارضة ودور هذه المؤسسات غير الواضح والذي لا يمثّل تطلّعات وقضايا السوريين، ما دفعهم للهجرة إلى دول أوروبا.


وبيّن الجاسم أن عامل الاقتصاد أيضاً واحد من الأسباب المهمّة لهجرة السوريين من تركيا، فبعد أن شهد العالم تبعات جائحة كورونا وانكماشاً اقتصادياً، لم يعُد اللاجئ السوري يمتلك قوة شرائية تكفيه مع الارتفاع الجنوني لأسعار المواد الغذائية والسكن، إضافة إلى تقييد حركة اللاجئين السوريين. 


توزّع اللاجئين السوريين بألمانيا

عادةً ما يقصد اللاجئون السوريون المدن والبلدات الألمانية التي تسرع بإجراءات اللجوء لذلك يتوزعون على أغلب المدن وأهمها مدن الجنوب مثل شتوتغارت وميونخ وساربروكن، فيما يقصد بعضهم المدن الكبرى مثل برلين وهامبورغ.


ويُقدّر عدد اللاجئين السوريين المسجّلين في ألمانيا وفق آخر إحصائية صدرت في شهر أيار الماضي بـ 867 ألف و585 لاجئاً سورياً.









شاهد أيضاً