أمام قتلى بوتشا: العالم يتفرج.. وإسرائيل لبوتين: أوافقك شرط حريتي في سوريا

تاريخ النشر : 04-04-2022

التصنيفات : أوروبا - أوكرانيا

الصور الفظيعة التي خرجت من الأحياء غربي كييف في نهاية الأسابيع، والتي تظهر فيها جثث لمدنيين أوكرانيين، بعضهم أيديهم مكبلة للخلف وهم يستلقون على جانب الشارع أو في قبور حفرت بسرعة، هي صور تحكي قصة لا يمكننا الهرب منها. الجنود الروس الذين سيطروا على هذه المناطق مؤخراً قبل صدهم من هناك بهجوم أوكراني مضاد، حيث سياراتهم المدرعة محملة بممتلكات مسروقة نقلوها شمالاً إلى حدود بيلاروسيا، قتلوا العشرات وربما المئات من المواطنين.

حتى الآن كانت هناك تقارير كثيرة عن أعمال قتل واغتصاب وسلب في مناطق السيطرة الروسية، وبالطبع ادعاءات حكومة أوكرانيا عن ارتكاب فظائع. مشاهد شوارع بوتشا وايربين لا تترك مجالاً للشك بحدوث جرائم حرب بصورة منهجية.


في بعض الحالات، يبدو أن محاولة سريعة وجزئية جرت للتغطية على الجرائم بواسطة إحراق أو إخفاء الجثث، ولكن لم يكن لدى الروس وقت كاف لطمس المشهد. لو كان لهم المزيد من الوقت قبل الانسحاب المذعور، ولو لم يكن لدى المواطنين والجنود كاميرات وتغطية واسعة من وسائل الإعلام الأجنبية من أوكرانيا، لتمكنوا من إخفاء معظم الأدلة.


في أجزاء أخرى في أوكرانيا، بالأساس في الشرق، التي فيها للروس سيطرة أكبر ولا يوجد مراسلون، نجحوا أكثر في عملية الإخفاء. شبكات الإعلام الأوكرانية تم قطعها، والمواطنون اضطروا إلى استخدام بطاقات الشبكة الروسية التي لا تسمح بإرسال صور وأفلام. رؤساء مدن ونشطاء مدنيون وصحافيون محليون تم اختطافهم أو قتلهم. مع ذلك، يبدو أن الوضع هناك أصعب مما كان متوقعاً من خلال رؤية الجثث في مناطق محيطة بكييف.



هذا التوثيق لا يجب أن يفاجئ أحداً؛ فهو يتناسب مع التقارير الواردة من مناطق قتال أخرى عمل فيها الجيش الروسي في العقود الأخيرة، منها الحروب الأهلية في الشيشان، والحرب في جورجيا، والحرب في سوريا، فهناك عملت روسيا من الجو، وتركت الأرض لقوات نظام الرئيس الأسد أو “حزب الله” ومليشيات شيعية أخرى ممولة من إيران. ووصلت تقارير مشابهة أيضاً من دول مثل ليبيا ومالي، لم تكن فيها روسيا مشاركة رسمياً. ولكن “مجموعة فاغنر”، تعمل بالنيابة هناك، وهي مجموعة مرتزقة تشكل قوة مهمة غير رسمية للكرملين.


هناك فقط فروق ضئيلة؛ فهذه المرة الأولى التي احتلت فيها منطقة على يد قوات فلاديمير بوتين ويتم تحريرها بعد فترة قصيرة، في الوقت الذي تقوم فيه الدلائل المادية على الأرض. هذه أيضاً المرة الأولى التي ينصب فيها الاهتمام العالمي كله على ساحة الجريمة. من غير الموثوق أنها أوراق ستغير شيئاً.


         


       الخط الأحمر


وإن حدث دون تغطية إعلامية، فقد كان واضحاً أن هناك جرائم حرب ترتكبها القوات الروسية في ساحات الحرب المتقدمة، من غروزني حتى حلب. من كان مهتماً عرف ذلك بوضوح. ولكن أمريكا وحلفاءها الغربيين اختاروا عدم التدخل في سوريا، حتى قبل الانتشار الروسي هناك في 2015 عندما تنكر الرئيس الأمريكي باراك أوباما لتعهد “الخط الأحمر” الذي أعطاه ليرد عسكرياً على استخدام مواد كيميائية ضد المواطنين. عندما أرسل بوتين قاذفات “سوخوي” إلى مناطق الأحياء السكنية ومناطق فيها مستشفيات ومخابز، كان يعرف أنه يستطيع العمل بدون إزعاج.


نائب الرئيس أوباما في حينه، والذي يجلس الآن في البيت الأبيض، جو بايدن، له خط أحمر خاص به في أوكرانيا، فهو غير مستعد للعمل هناك بشكل مباشر، حتى عدم الاستجابة لطلب أوكرانيا فرض منطقة حظر طيران في غرب الدولة للدفاع عن حياة المدنيين. الدلائل الواضحة على جرائم حرب لن تغير ذلك. يعرف بايدن الآن الوقائع من تقارير مخابراته اليومية، وكل ما تفعله الصور أنها تؤكد ذلك.


الاعتبارات والمخاوف من تحدي بوتين ما زالت على حالها الآن. الأمر صحيح أيضاً بالنسبة لزعماء الغرب الآخرين، وبالنسبة لإسرائيل أيضاً، التي تتمسك بموقفها “الحيادي”، إضافة إلى تصريحات الدعم الضبابية والإدانة الخفيفة بين حين وآخر. في حالة إسرائيل، يدور الحديث عن بث مكرر للفظائع في سوريا. في الحقيقة، كانت هناك أصوات داخل المؤسسة الأمنية وحتى داخل الكابينت لضرب قواعد سلاح الجو السوري لمنع ذبح المدنيين السوريين. ولكن رئيس الحكومة السابق، بنيامين نتنياهو، تجنب العمل ضد نظام الأسد. عندما أرسلت روسيا قواتها إلى سوريا، سارع إلى الالتقاء مع بوتين وتوصل معه إلى اتفاق. فإسرائيل لن تفعل شيئاً يمس النظام مقابل موافقة روسيا على حرية عمل إسرائيل ضد الأهداف الإيرانية. “حكومة التغيير” برئاسة نفتالي بينيت ويئير لبيد لم تغير هذه السياسة، وجرائم الحرب الروسية لن تغيرها أيضاً.


هذه الاكتشافات لن تغير شيئاً باستثناء تقليل الاحتمالية المتدنية أصلاً للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين روسيا وأوكرانيا. إذا كان هناك شك لدى أحد، فإن رؤية الأعمال الفظيعة التي تنفذ في مناطق الاحتلال الروسية، تثبت أن لبوتين هدفاً حصرياً، وهو تدمير أوكرانيا المستقلة، ولا يهمه عدد الأوكرانيين (والجنود الروس) الذين سيموتون في الطريق. والحكومة الأوكرانية لا يمكنها الآن الوقوف أمام مواطنيها إذا وافقت على وقف إطلاق نار يبقي أجزاء من الدولة في يد روسيا. ليس باستطاعة العالم اليوم التهرب من الحقيقة، لكن هذا لا يتوقع أن يغير شيئاً.









الكلمات المفتاحية:

شاهد أيضاً